الأحد، ٥ ديسمبر ٢٠١٠

البقعة المباركة2


الطريق في البداية تشي بأن المهمة سهلة فلا مشاكل في الطريق سوي أنه طريق صخري ليس ممهدا...وتري الجمال حولك عليها بعض السائحين قادمة وذاهبة
ثم بعد حوالي ثلث ساعة من الصعود أنظر حولي..فأدرك أننا ارتفعنا عن سفح الجبل ارتفاعا ملحوظا ..أنظر حولي فأري الجبال الشاهقة تحيط بي في كل مكان
أنظر الي السماء فاذا هي صافية شديدة الصفاء تلمع فيها النجوم...وكلما صعدنا أكثر كلما زاد عدد النجوم ...لم أرهق بعد...
بدأت الطريق تضيق والارتفاع يزيد فيزداد بداخلك الخوف... يأخذني الخوف لحظات ثم ينتشلني منه الانبهار بروعة المكان
هل هذا أنا؟...أم أنني في حلم...خطر علي بالي هذا السؤال لأول مرة وأنا أراني أنظر من عل علي السفح... هل أنا حقا علي هذا الارتفاع الشاهق في جنوب سيناء ولست علي سريرنا في البيت أغط في النوم؟...هل حقا تحيط بي الجبال من كل جانب ..أنظر أسفل مني لأري السفح...فلا أراه... لم يعد ظاهرا بعد...فقد كنا نسير في طريق معوج....أو كما رأينا في الخريطة قبل الصعود نلتف حول الجبل حتي نسير في الطريق الذي عرفت فيما بعد أنه يسمي بطريق الجمال الذي أمر بتمهيده الخديوى عباس حلمى الأول فى القرن التاسع عشر الميلادى
.. أنظر أعلاي فأراني مغطي بثوب أسود شديد الأناقة محلي بالنجوم اللامعة....منظر النجوم وعددها لم أره في حياتي أبدا...وهو عندي - كما علق أحد أصحابي علي الفيس بوك - كان أكثر روعة من منظر الشروق نفسه... لازمني ذلك السؤال كلما توقفت لآخذ أنفاثي أو أنظر حولي...أي تجربة تلك!!
الفوج الهندي
في البداية كنا نسير كمجموعة واحدة كلنا...ثم بدأنا نفترق كل علي حسب طاقته... فسبقنا جميعا (درويش) و (أحمد شريف)....لم أكن مجهدا أبدا الحمد لله
رغم عدم استطاعتي النوم ونحن في طريق القدوم...ولكن كان علينا ان ننتظر (كيمو) فقد كان مصابا في قدمه ويسير علي مهل...ولم تكن هذه مشكلته الأساسية
ولكن كما أخبرته فيما بعد (اللياقة عندك مشكلة كبيرة ياكيمو)...نسبقه قليلا ثم نجلس نلتقط أنفاسنا وننتظره
ونحن جالسون يمر علينا أفواجا كثيرة من الأجانب.. من ضمنهم... دليل بدوي يأخذ بيد امرأة عجوز ويقود فوجا من الهنود...من السهل تمييز شكل الهنود بملامحهم الشرقية القريبة من ملامحنا...يسأل أبو السعود الرجل (قدمنا كتير ياريس؟)
فيجيبه...أمامنا حوالي ساعة ونصف...(يعني لسه نصف الطريق...ياحلاوة)...ونعلق مداعبة للفريق المتعب مننا...أصبحنا في آخر مجموعة (جزر) ياجماعة.... ولا نسبق سوي الفوج الهندي والمرأة العجوز...ثم نجلس ننتظرهم....شباب آخر زمن...حقا انبهرت بمدي اصرار هذه العجوز.. ومثلها الكثير هناك... هؤلاء الأجانب.. بهم كثير من الصفات التي نفتقدها نحن المهزومون داخليا... فمن ذا الذي يترك بلده منا ويذهب سائحا ليصعد جبلا علي ارتفاع 2439متر اى حوالى 7363قدم عن مستوى سطح البحر..
-.لقد قال أحد أصحابي من شدة ارهاقه.:.أنا ايه اللي جابني هنا.. كان زماني نايم دلوقتي؟؟...
-قلت له.. أنظر حولك.. ألا تري روعة المكان؟...
- روعة ايه بس.. عادي ...ده لو أنا بجري علي أكل عيشي مش هاعمل كده
أعرف انه ربما يكون مازحا... ولكننا نفتقد ثقافة الحياة الشخصية.. والاستمتاع بالتجارب الجديدة...حتي الشاب منا..يرجع من عمله(ان كان عاملا في الأساس ولم يصبه فيروس البطالة المتفشي)... ليجلس علي القهوة مع أصحابه... ويظن هكذا أنه قام بما عليه من عمل...الدنيا فيها كثير من الأشياء الرائعة التي نستطيع أن نستمتع بها.. مثل تعلم أشياء جديدة - والأجانب كثير منهم ينضمون لفصول ليلية بعد العمل ( هذا مفهوم لا يوجد عندنا من الأساس الا في مراكز الدورات أو المعاهد الدينية أما في الجامعات أو المدارس فانها منشأة حكومية عيب تشتغل بالليل)...أو حتي السفر والخروج في الأجازات كما يفعل هؤلاء الخواجات في أرضنا وكأنهم تمثلوا قول الامام الشافعي:

مَا فِي المُقـَام ِ لِذِي عَقـْل ٍ وَذِي أ َدَبِ مِنْ رَاحَةٍ ***فـَدَع ِ الأ َوْطـَانَ وَاغـْتـَرِبِ

سَافِرْ تـَجـِدْ عِوَضًا عَمَّنْ تـُفـَاِرقـُهُ*** وَانـْصَبْ فـَإ ِنَّ لـَذِيـذ َالعَيـْش ِ فِي النـَّصَبِ

إ ِنـِّي رَأ َيْتُ وُقـُوفَ المَاء ِ يُفـْسِدُهُ***إ ِنْ سَاحَ طـَابَ وَإ ِنْ لـَمْ يَجْرِ لـَمْ يَطِبِ

وَالأ ُسْدُ لـَوْلا فِرَاقُ الأرْض ِ مَا افـْتـَرَسـَتْ***وَالسَّهْمُ لـَولا فِرَاقُ القـَوْس ِ لـَمْ يُصِبِ

وَالشـَّمْسُ لـَوْ وَقـَفـَتْ فِي الفـُلـْكِ دَائِمَةً***لـَمَلـَّهَا النـَّاسُ مِنْ عُجْم ٍ وَمِنْ عَرَبِ

وَالبَدْرُ لـَوْلا أ ُفـُولٌ مِِِِنـْهُ مَا نـَظـَرَتْ ***إ ِلـَيْهِ فِي كـُل حِين ٍ عَيْنُ مُرْتـَقـِبِ

وَالتـِّـبْرُ كـَالتـُّـرْبَ مـُلـْقـًى فِي أ َمَاكِنِهِ***وَالعُودُ فِي أ َرْضِهِ نـَوعٌ مِنَ الحَطـَبِ

فـَإ ِنْ تـَغَرَّبَ هَذ َا عَزَّ مَطـْلـَبُهُ ***وَإ ِنْ تـَغَرَّبَ ذ َاكَ عَزَّ كـَالذ َّهَبِ

اقرأ أيضا: