الاثنين، ٢١ مارس ٢٠١١

كنت سلفيا


كنت سلفيا
هذه شهادة للتاريخ...من داخل جماعة السلفيين نفسها بعد أن كنت عضوا فيها...وتاب الله علي...فأحببت أن أنقل لكم – عن شهادة شخصية – ما رأيته بعيني وما عاينته من فكر  هؤلاء الناس حتي يكون الكل علي معرفة واقعية بهم بدل من أن يستمع للشائعات هنا وهناك.
وقد آثرت ان أجعلها في صورة نقاط للتوضيح:
هؤلاء الناس يتسمون ببعض الصفات المشهورة عنهم من مثل:
(1)            ضيق الأفق.... وضحالة الثقافة...فهم لا يقرأون شيئا الا القليل ولا يقرأون الا لمشاهيرهم من مثل (ابن تيمية) و (ابن القيم) و (محمد بن عبد الوهاب)
لذا تجد عندهم التعصب للرأي وعدم اعمال العقل وعدم تقبل الرأي الآخر...ذلك لأنه ليس من أبجدياتهم الثقافة النقدية...تجد ذلك في كتبهم.
(2)            عدم احترام غيرهم..واعتبارهم جهلة وسفهاء.. بل وتصل الي تكفيرهم....
(3)            يركزون دائما علي توافه وسفاف الأمور.. من مثل اللحية وتقصير الجلباب... أما لب الدين فلا تجده في كلامهم الا قليلا
(4)            عدم مواكبتهم للمتغيرات والتكنولوجيا الحديثة ويعيشون دائما علي مجد قديم....والسبب في ذلك مما لاحظته هو انخفاض المستوي التعليمي عند الغالبية منهم فنادرا ما تجد منهم طلاب جامعات فضلا عمن لهم تأثير في المجتمع.
والكثير والكثير...الذي لابد أنك قد قرأته عن هؤلاء الناس في جريدة هنا أو سمعته في برنامج هناك....
عزيزي القارئ ولكي لا تثور ثائرتك علي دعني أقدم لك الدليل علي كل كلمة قلتها حتي تعرف اني لا أرمي الكلام جزافا وأني متأكد من كل حرف ذكرته عن هؤلاء المتعصبين
:
(1)            اليك الدليل علي ضحالة ثقافتهم وقلة علمهم ولكي تري أن كلامي حقيقيا ولست مبالغا فيه سأضرب لك مثلين... مثل من مشاهير الدعوة السلفية...ومثل من خبرة شخصية.
ففي المثل الأول... دعنا نري هؤلاء السلفيين قليلي العلم...المنغلقين فكريا...ضحلي الثقافة:
الشيخ محمد اسماعيل المقدم : طبيب بشري متخصص في الصحة النفسية وحاصل على ليسانس الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهـر. وشاهد هذا الفيديو لتعرف اطلاعه علي المراجع الحديثة العربية والأجنبية والتي قلما يطلع عليها المتخصصون في مجال علم النفس:
الدكتور ياسر برهامي : حصل على بكالوريوس الطب والجراحة في عام 1982م كما حصل ماجستير طب الأطفال عام 1992م من جامعة الإسكندرية.
حصل على ليسانس الشريعة الإسلامية عام 1999م من جامعة الأزهر.
الشيخ أبو اسحاق الحويني : تخرج من كلية الألسن قسم الأسباني وكان الأول على دفعته في كل أعوامها عدا السنة الأخيرة حيث كان الثاني.
الشيخ محمد حسان : بكالوريوس اعلام
 وهناك الكثير والكثير....واذا أردت أن تعرف أكثر عن هؤلاء السلفيين فاقرأ عن سيرهم الذاتية....ستجد الكثير منها علي هذا الرابط:


لكي تتأكد بنفسك من ضحالة ثقافتهم وقلة علمهم الديني والدنيوي !!
وبالمناسبة: ليس معني كلامي هذا أن كلهم قليلي العلم لا يفقهون شيئا في علوم الدنيا كبعض من ذكرت لك... وهذا طبعا يعيبهم كما يعيب الطبيب ناجح عدم فهمه في الهندسة...فهؤلاء علماء دين وفقهاء ودعاة...وهذا تخصصهم...ولكن أحببت من ذكر تفوقهم في العلم الدنيوي أن تتأكد أنهم سمكرية ومكوجية كما كان يقول شيخ الأزهر السابق!!!..وأن تكون علي يقين من كلام من يدندن حول ضيق أفقهم وضحالة ثقافتهم في الصحف قومية كانت أو معارضة.
وفي المثل الثاني: وهذه خبرتي الشخصية كشاب عادي جدا لست شيخا ولا علما ولا كاتبا مشهورا ولا مفكرا.... نشأت في ظل جو هؤلاء السلفيين...فتعلمت منهم أحادية التفكير وعدم تقبل الرأي الآخر...فكنت أحضر دروس الشيخ محمد حسين يعقوب الاسبوعية ودروس يومية في المسجد الذي أصلي فيه... وأحفظ القران وأنا طفل علي يد شاب من شباب المسجد..
بل وبدأت أتلقي بعض العلم علي يد شاب آخر.. اعتبره استاذي... كنا نقرأ في كتب العلم... فكيف كنا نقرأ؟ لقد كنا نقرأ بطريقة أحادية التفكير تماما
كان يقرأ بعض الفقرات ثم يقف ويطلب مننا أن نقول رأينا في ما سمعنا و ننقده اذا لم يعجبنا... ونقول لماذا يعجبنا ان اعجبنا... كل هذا ونحن أطفالا وشبابا صغارا...وبالطبع هذا ضد التفكير النقدي ولا يولد الشخصية المستقلة الناقدة.. أرأيت مدي احادية تفكير هؤلاء الناس؟
(2)           دعنا نري رفضهم لكل ما يخالف فكرهم...ومهاجمتهم لللاخرين والتسفيه من شأنهم....بل وتكفيرهم
وهذا مثال كذلك من مشاهير الدعوة السلفية ومثال من خبرة شخصية
أما مثال مشاهير الدعوة السلفية فهو هجومهم المستمر علي الأزهر ... رمز الوسطية...والدليل العملي علي ذلك هو استضافتهم لكثير من مشايخ الأزهر في قنواتهم الظلامية... فكثيرا ما يستضيفون فضيلة المفتي السابق نصر فريد واصل... بل وتصل رفضهم لكل ماهو أزهري...الي درجة استضافة الدكتور عبد الله سمك استاذ مقارنة الاديان بالأزهر علي قناة الناس لعمل برنامج اسبوعي ( وهو الذي سمعته بنفسي في ندوة ساقية الصاوي يهاجمهم).... دعني أوضح لك ما هو أخطر
لقد وصل تعصبهم الي استضافة الدكتور سالم عبد الجليل... وكيل وزارة الأوقاف لعمل برنامج عل قناة الرحمة عن القصص القراني.... والذي كان ( أي فضيلة الوكيل) سببا في غلق هذه القنوات بما قاله في برنامج مصر النهاردة في العصر البائد!!!! فهل تجد تعصبا أكثر من تعصب هؤلاء السلفيين؟
واليك مثالا من مهاجمتهم للأزهر في هذا الفيديو.... حتي تري وتعاين بنفسك:
الشيخ محمد حسان يقول( ان في الأزهر من العلماء الأجلاء الفضلاء من لا يليق لمثلي أنا أن يكون تلميذا تحت قدميه وبين يديه):

الشيخ المحدث أبو اسحاق الحويني يقول كلاما خطيرا :( مش عايز حد يتصور ان في يوم من الايام ان الازهر لما يسقط احنا بنفرح...الازهر ده ظهري....علماء الأزهر قوة لي وأنا قوة لهم)

أما من خبرتي الشخصية معهم فسأذكر لك مثالا من ضمن أمثلة كثيرة جدا عاينت فيها بنفسي انغلاقهم علي فكرهم ورفضهم للاخرين:
أول ماسمعت عن الشيخ محمد الغزالي كان وأنا طفل صغير علي يد الشيخ السلفي الذي أحضر درسه في المسجد... لما كبرت وقرأت للشيخ الغزالي وأحببته حبا جما..لدرجة اني قرأت كل مؤلفاته تقريبا...وجدته ينتقد السلفيين نقدا شديدا جدا ولاذعا... فعجبت جدا من ذكر الشيخ السلفي له بالثناء ( بالمناسبة الشيخ السلفي هذا كان مهندسا معماريا ناجحا جدا وخريج أصول دين من الأزهر كذلك) .. عجبت من رفضه هذا للشيخ الغزالي لمجرد مخالفته له في الفكر... وبالطبع هذا الرفض انطبع علي فقرأت كل كتب الشيخ الغزالي ولم تمنعني حدته علي السلفيين من حبه الشديد !!!
(3)            في هذه النقطة دعني أثبت لك فكرهم المتشدد المحرم لكل شيء ...الفكر التكفيري:
والأمثلة الدالة علي ذلك كثيرة والحمد لله وباسماء كتب مشهورة لهم وصوتيات وفيديوهات يستطيع الجميع الوصول لها حتي لا يتهمنا هؤلاء السلفيين بالافتراء عليهم:
التحذير من فتنة التكفير – الشيخ الألباني
سلسلة شرح كتاب العذر بالجهل والرد علي بدعة التكفير – الشيخ أحمد فريد
محاضرة بعنوان ( ضوابط التكفير عند أهل السنة) الشيخ محمد حسان
والثلاثة تجدهم بسهولة شديدة علي مواقع الانترنت وفي اليوتيوب... استمع أخي لتعرف الحقيقة حتي لا تنساق وراء الأوهام!
(4)            أما تركيزهم الدائم علي قشور الدين بعيدا عن لبه وأخلاقه فدعني أيضا أضرب لك كالعادة مثالا من مشاهير السلفية ومثالا شخصيا
        أما مثال مشاهير الدعوة السلفية فلننظر في (طريق الاسلام) أكبر موقع اسلامي يحتوي علي الخطب والدروس الصوتية علي شبكة الانترنت كلها لنري ما هي أشهر المواضيع التي تدور حولها محاضراتهم وسآخذ فقط أول عشرة سلاسل للشيخ محمد اسماعيل المقدم كمثال :

وكذلك أقسام المواضيع التي تدور حولها المحاضرات والدروس في الموقع الذي يغلب عليه الطابع السلفي:

أرأيت مدي اهتمامهم بالقشور من فقه وحديث وتفسير وعقيدة ومعاملات ودعوة وسياسة؟... حقا عجبا لهؤلاء القوم!!
لا وسأريك ماهو من واقع خبرتي الشخصية لتتيقن مدي اهتمامهم بالقشور والبعد عن الفهم الصحيح للدين:
ذكرت لك انفا اني كنت أحضر الدروس وأنا عضو في (الجماعة السلفية) في المسجد الذي يسيطر عليه السلفيون فماذا كان جدول المحاضرات:
كانت الأيام مقسمة الي: يوم للفقه - يوم للعقيدة - يوم علم مصطلح الحديث - يوم علم الحديث - يوم تفسير
ارأيت قشور الدين؟.... ما علاقة كل هذه العلوم بلب الدين ومفهومه الصحيح؟...!!!
تريد ما هو أكثر من ذلك؟... لقد ذكرت لك أيضا أنني بدأت بقراءة بعض كتب العلم علي يد شاب سلفي فما هي كتب العلم التي تتمحور فقط حول القشور؟
لقد بدأنا بعلم التوحيد من كتاب ( تطهير الجنان والأركان من دنس الشرك والكفران) علي ما أذكر من اسم الكتاب...ثم لما انتهينا من الكتاب... بدأنا في تعلم فقه الصلاة من كتاب (صفة صلاة النبي) للشيخ الألباني... ثم لما انتهينا... تعلمنا فقه الصيام من كتاب آخر لا اذكر اسمه... ثم بدأنا في تعلم التفسير من (تفسير السعدي)...... لذا خرجت انا من كل هذا لا أفقه في الدين الا اللحية والجلباب القصير والتعنت ولا تنس القشور!!!
عزيزي القارئ....آسف
أنت مخدوع بشدة
ما رأيك في من كان يشاهد التليفزيون الحكومي أيام الثورة...وقام بتصديق كل ما قد قيل....فوقع في كره شباب التحرير بل وخرج في مظاهرات تطالب بحرقهم؟
ماذا كان الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء؟..... في رأيي أنا.. أنهم أحاديو التفكير...ليست لديهم أدوات نقد الكلام الذي يتلي عليهم....ولا يبصرون الحقائق...وبالتالي فمن السهل جدا خداعهم!
اذا كنت صدقت ما قد قلته لك ... أو قاله لك غيري.. من غير أن تعطي نفسك أنت الفرصة لتستمع أو تقرأ لفكر هؤلاء الناس الذين ينقدهم كل من هب ودب من أمثالي....فقد وقعت في نفس الخطأ!
اذا كنا قد تعودنا في ما مضي...أن نرضي بالكلاشيهات من الكلام ... والقوالب التي تهاجم فكر الآخرين بغير أن ننظر بأنفسنا الي هذا الفكر... ونصدق كل ما قد قيل لنا....فلا يجوز أن نفعل ذلك الآن ....
وأخيرا
أنا لم أكن عضوا في جماعة السلفيين .لأنه ببساطة ليس هناك ما يسمي جماعة السلفيين... فالسلفي ببساطة هو من طبق الكتاب والسنة بفهم الصحابة وسلف الأمة!


الاثنين، ٧ مارس ٢٠١١

عودة الي أحضان الماضي


الزمان والمكان :
قبل أن أنزل مباشرة من ميكروباص الجامعة....أمام المسلة الشامخة
الحالة :
 واضعا في أذني سماعة الام بي ثري...استمع لسورة الأحزاب..للشاطري
الحدث:
وجدته أمامي...عجوز طاعن في السن جاوز الثمانين متكئا علي عصا...
لم أصدق نفسي...نزلت ثم دققت فيه النظر...انه هو
خلعت السماعة من أذني....
أستاذ محمد سليمان....ازي حضرتك؟؟...مش ممكن والله
عجبي أشد العجب...ليس أني رأيته....لكن..انه عرفني...عرفني بعد أكثر من ثلاثة عشرة سنة فعلت في شكلي وهيئتي ما فعلت
رد علي...ازيك ياابني...ازيك يامحمد....عامل ايه؟...
ملت عليه واحتضنته وقبلته
مازال يذكرني....قال لي...عرفت انك دخلت هندسة..في سنة كام؟...
قلت له لقد تخرجت...وأنا الان معيد في الجامعة
قال لي والفرحة والفخر يملآنه....لينا الشرف والله....واحتضنني وقبل رأسي...أخذتني المفاجأة...فتسمرت ولم أمنعه
عاد بي الي نفسي...الي الابتدائي....الي ذلك الطفل...الذي يحبه ويفتخر به مدرسه ودائما يرفع من شأنه
لا ريب ان له دورا كبيرا جدا في تكويني النفسي...
الي ذلك الطفل...الواقف في اذاعة المدرسة  يتسلم شهادة تقدير من امانة الحزب الوطني الديموقراطي لتفوقه الدراسي بامضاء يوسف والي ( واهو غار في داهية والحمد لله :d  
تسلم فيما بعد الكثير من الشهادات..ولكن الأولي دائما لها مذاق خاص
وهذا المدرس الذي أصر أن يبروزها  ويسلمها له بنفسه...
عاد بي الي ذلك المدرس..ذي النزعة الصوفية الذي يواظب علي حضور الحضرة والشخصية القوية الحنونة في ذات الوقت....
وذلك الطفل الذي علي صغر سنه...كان يواظب علي دروس المسجد السني...وحفظ القران...فسمع كثيرا من العلم وان لم يعيه كله آنذاك....فكان يري في هذا المدرس ...الشخصية التي يحذره منها شيخه... والأفعال الشركية التي تنهي عنها الدروس التي يسمعها
الااااان
لما رأي ذلك الطفل...هذا الاستااذ
رأي فيه الحنية والأبوة...
رأي فيه الاهتمام والرعاية....
الحب الخالص...
الماضي الجميل
اللهم اني اشهدك...وأني ذلك الطفل الصغير...أن لكثير من الناس علي فضل عظيم....فاغفر لهم ويسر لهم..وأعنهم.. وارحمهم امواتا وأحياءا كما صنعوا من ذلك الطفل الصغير ذلك الانسان الذي تخط يداه هذا الكلام





الجمعة، ٤ مارس ٢٠١١

الثائر الأحمر لباكثير



الثائر الأحمر رواية تاريخية فكرية بامتياز كنت قبل أن أقرأها أعرف لعلي أحمد باكثير طول باعه وتفرده في المسرحيات مع حسه الاسلامي التاريخي الرائع مع القليل من الروايات التاريخية كـ (سلامة القس) والرواية الشهيرة (وااسلاماه)...أما وان الثائر الأحمر قد أضيفت لهما فهو ولاشك أديب روائي اهتم بالرواية التاريخية بامتياز...وسر عدم شهرته في ذلك هو اتجاهه الاسلامي الذي يقول فيه عن نفسه ""إنني أسعى في مسرحياتي إلى تحقيق هدفين: الهدف الأول سياسي والثاني إنساني، أما الهدف الأول فمحوره الدعوة إلى الوحدة العربية، مثل مسرحية إخناتون ونفرتيتي، ويتدرج منها كل كفاح سياسي في القضايا العربية.
أما الهدف الإنساني فهو يتعلق بالتعبير عن روح الإسلام ومثله العليا ونظرته إلى الكون والحياة. وسبيلي في تحقيق هذا الهدف أن أعالج الأساطير المختلفة العربية والأجنبية، حيث أسكب فيها مضمونًا إنسانيًَا يعبر عن هذه النظرة الإسلامية المتكاملة الصالحة لكل عصر وكل مكان مثلما فعلت في مأساة أوديب وفاوست الحديثة والفرعون الموعود، وأحيانًا أتخذ من الأحداث التاريخية وسيلةً لتحقيق هذا الهدف مثلما فعلت في سر الحاكم بأمر الله ودار ابن لقمان".
ولست أنا الذي يدعي أن سر عدم شهرته هو اتجاهه الاسلامي بل لقد قرأته في مقدمة لرواية ل (عبد الحميد جودة السحار) منذ زمن طويل ولا أذكر حتي اسمها.
أما الثائر الأحمر
فقد قسمها الي أربعة أسفار...وكأنها قصة من القصص التوراتية...فكلمة سفر هنا...تشي بأنها مشتركا انسانيا عاما وتاريخا بشريا نستخلص منه العبرة
وكعادته التي دأب عليها...قدم باكثير كل سفر بآية قرانية تعبر عن مكنون هذا السفر

 فالسفر الأول الذي بدأه بقول الله تعالي (واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).. ما ان تشرع في قرائته حتي تشعر أن الأحداث تدور في قرية من قري مصر قبل ثورة 1952.... فهذا الفلاح الفقير الذي أكره (هو أو أباه) علي بيع أرضه...ثم يعمل فيها كأجير لحساب الاقطاعي الشاب الذي ورث الأرض عن أبيه وصورته التقليدية في فساده وغيه واستبداده وتعاليه.
ولكن الحقيقة غير ذلك...فتاريخ الأحداث يرجع لما قبل ذلك بكثير...يرجع الي الدولة العباسية قبل ثورة القرامطة. ومكان الأحداث واضح من أول سطر في الرواية ( في ضاحية من ضواحي قرية الدور احدي القري المنتثرة حول الكوفة مما يلي البطائح) ولكنه التاريخ الذي يعيد نفسه...والانسان هو ذاك الانسان منذ أنزل الله أباه علي ظهر البسيطة وحتي قيام الساعة.... وهذا السفر يعرض بروح حية لمسالب الرأسمالية الاقطاعية ويصف الظلم الواقع علي غالب البشر الذين يعانون شظف العيش لصالح قلة قليلة متمتعة بتخمة في الثروة.
ثم السفر الثاني مبدوءا بقوله تعالي
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)
والمقصود في القصة هو (عبدان).. فقيه المذهب...يقوم بدور ابن عم (حمدان قرمط)...مؤسس مذهب القرامطة..... والذي كان في السفر الأول مجرد فلاح تقي ناقم علي الظلم والاستبداد.
وفي هذا السفر تبدأ حبكة الأحداث في التقدمة لقيام ثورة القرامطة في اطار اجتماعي عام.
فهذا عبدان...تعرف علي رجل يدعي جعفر بن أحمد الكرماني.. من الأهواز... يبدأ الرجل في عرض مذهبه علي (عبدان).
وهنا يبدع باكثير في تحليل نفسية هؤلاء القرامطة...الشيوعيين القدامي... فعبدان لم يقتنع بمذهب (العدل الشامل) لقوة حجة الكرماني..وانما لرغبته في أخته (شهر) التي أحلها له الكرماني بهذا المذهب الذي يجعل كل شيء مشاعا بين أتباعه من طعام وشراب وعرض!
وفي هذا السفر يعرض باكثير كذلك لحال الدولة العباسية والظلم السائد علي العمال فيها...مع قيام عالم صالح بواجب كلمة الحق عند السلطان.. ويعرض لدور اليهود الأساسي في تأليب الفتن...عن طريق المال


والسفر الثالث
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)
في هذا السفر..تظهر الحركتان الفكريتان الأخريتان...الشيوعية متمثلة في القرامطة....بقيادة حمدان قرمط...والعدالة الاسلامية والشخص الممثل لها هو الشيخ (أبو البقاء البغدادي) المقرب من الخليفة (المعتضد).
أما حمدان قرمط فقد نجح في البداية في اقامة دولة له...وعاصمتها مدينة بناها سماها (دار الهجرة) وسميت في الرواية (ميهماباذ). هاجر اليها في البداية العمال والصناع المقهورون من ظلم الأغنياء في بغداد وماحولها...ليشتموا هواء العدل الشامل الذي تقوم عليه المملكة...
وفي سبيل هذا العدل الشامل آمنوا بالمذهب الجديد وأصبحت الأعراض مشاعا والاباحية قانونا...
(وقد أظهر الفلاحون والصناع وغيرهم ارتياحاً لهذا النظام، فأخلصوا واجتهدوا في أعمالهم في بداية الأمر، إذ كان بين هؤلاء كثير من الفالحين الذين ذاقوا البؤس من ظلم ملاك الأرض وجشعهم، وكثير من العمال والصناع الذين عانوا الأمرين من ظلم أصحاب العمل . وكان كثير منهم ممن اعتنق مذهب الإمام المعصوم على يد الشيخ الأهوازي وحمدان من بعده، وتحمسوا لمبادئ العدل الشامل، وعللوا نفوسهم بزوال عهد الظلم والتفاوت لمبادئ العدل الشامل، وعللوا نفوسهم بزوال عهد الظلم والتفاوت بين الناس في الرزق والثروة، ومجيء عهد جديد يتساوى الناس فيه، فلا غني ولا فقير، ولا قوي ولا ضعيف، إذ لا يؤذن لأحد مهما يكن قدره أن يملك شيئاً من الأرض أو المال.)
ثم لما بدأت حقيقة تطبيق الشيوعية تبدو لهم:
(غير أن كثيراً منهم ما لبثوا بعد أن ذهبت عن نفوسهم جدة هذا النظام وروعته الأولى أن نظروا فإذا الناس ليسوا سواسية في ظل هذا النظام الجديد، وإذا التفاوت في العيش بينهم باق كما كان، فقد رأوا أنه إن أعطي لهم ما يسد جوعهم وجوع عيالهم من الطعام، فمن طعام يختلف عن طعام غيرهم ممن هم أرقى طبقة وأعظم جاهاً أو أحب إلى أصحاب الجاه . وأدركوا أن أحدهم إن أعطى كفاية بطنه فإنه لا يعطي كفاء عمله وجهده، فهذه الغلال والثمار والمصنوعات التي ينتجونها بعرق جبينهم وكد أيديهم لا يعطون منها إلا القليل من أدنى أنواعها، ويحمل الجزء الأكبر منها إلى مخازن الدولة لمصلحة الجميع كما يزعم أولئك أولو الأمر فيهم - حيث تتمتع به الطبقات التي فوقهم . فأخذ منه كل على حسب جاهه ونفوذه . فقد انقلب الأمر من امتلاك الأرض والمال، فامتلاك السلطان والنفوذ بهما،
في ذلك النظام الذي شهدوه من قبل، وذاقوا منه المرارة والهوان . إلى أسلوب جديد يقوم على امتلاك السلطان والنفوذ بادئ بدء ثم يأتي من طريق هذين امتلاك ما يخولانه لصاحبهما من بركات الأرض والمال.)
اذن لا فرق بين الرأسمالية الاقطاعية...والشيوعية المستبدة
بل الشيوعية المستبدة التي تدعي العدل الشامل تفقدهم أكبر ميزة...كانوا يتصبرون بها علي ظلم الاقطاعيين...ألا وهي الايمان بالله
(وكان لهذا الأمر أثر بالغ في تذكيرهم بما سلبوا من حرية العقيدة وحرية العبادة، فزاد حنقهم على العهد الجديد، واشتد حنينهم إلى ذلك العهد القديم، حيث كانو ا يجدون من طمأنينة الإيمان بالله ما يهون عليهم كل ما يلقون من جور، ويعانون من جهد ومتربة.)

أما ماكان من أمر العدالة الاسلامية مع الشيخ أبي البقاء...فقد نصح الخليفة المعتضد...بعدم محاربة هؤلاء القرامطة...موضحا أن سبب انتشارهم ونفوذهم...هو هذا الظلم الواقع علي الصناع والعمال...فاذا أقمنا شرع الله في أراضي الخلافة...فان هذا المذهب الهدام سينهار من تلقاء نفسه اذ لن يجد له اتباع من الساخطين حين ذاك.
كل هذا يرويه باكثير...في حنكة بالغة..وتحليل نفسي ماتع..
·       لشيخ يريد تطبيق الاسلام علي أرض الواقع..فيسجن أولا في عهد خليفة ظالم...
·       ثم في عهد خليفة آخر عادل..يخرج من السجن ويقربه الخليفة ويعلمه انه لن يقطع أمرا بدونه...
·       ووزراء وأغنياء مستفيدون من الوضع الظالم فيقاومون أي دعوة للاصلاح ويحاربون أي صوت مخلص لله...
يفهم الشيخ أبو البقاء..حقيقة الاصلاح
بأنها قبل أن تكون قتالا للمذهب الهدام...لابد أن تكون تغييرا للواقع الذي يتخذه هذا المذهب ذريعة وحجة...تغيير الواقع باقامة عدل الله وشرعه بين عباده.

(فإنه لما أعلن المعتضد سياسته الجدية على منهج أبي البقاء ثار أغنياء بغداد وكبار ملاكها، ومعهم الوزراء المستوزرون، وانضم إليها بعض الفقهاء بدعوى أن في ذلك تجاوزاً للحكم الشرعي في الزكاة. ولكن المعتضد قاومهم جميعاً، وبدأ التنفيذ بالقوة وقبض على زعماء الحركة المضادة . وبعض تجار اليهود الذين يقومون سراً بتأييدهم، وكان هؤلاء يقولون له : (حارب القرامطة بدلاً من محاربتنا)
فيقول لهم قولة واحدة (لولا هذا الظلم الذي تس تثمرونه لما ظهرت فتنة القرامطة ولا  غيرهم )،
 وقد بلغ من اشتداد هذه الحركة وخطرها أن دبروا لخلع المعتضد، وتولية الخلافة لأحد الأمراء من ولد المعتمد. لولا أن المعتضد كشف سر هذا الائتمار فأحبطه، وعاقب المشتركين فيه . وفيهم بعض قواده الأتراك وبعض الوزراء.

ثم لحظة الصدام الفكري بي العدالة الاسلامية والشيوعية المستبدة في السفر الرابع المبدوء بالمبدأ الاسلامي في التفاضل بين الناس:
(والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم سواء أفبنعمة الله يجحدون)
(ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فه و ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)

وصارت أنباؤه (أي أنباء الشيخ أبي البقاء وحركة العدالة الاسلامية) تأتي إليهم مفصلة تنطق بفضله على الناس، وفرحهم به،ولا سيما الطبقات الدنيا من الفلاحين والعمال والصناع، ثار ثائر زعماء القرامطة، وأوجسوا خيفة من تأثيرها في أهل بلدهم أن تفتنهم عن مذهبهم، وتميل بهم عن الولاء لملكة العدل الشامل . وكان الشعور بخيبة الأمل والتذمر من سوء الحال قد شاعا في نفوس الطبقات العاملة عندهم، وما يمسكها عن الانفجار إلا خوف هؤلاء من بطش حكامهم الذين لا يرحمون.

وتختم القصة كلها خاتمة روائية فهذا (حمدان) مؤسس دولة القرامطة...كان يريد أن يشيع العدل بين الناس...ولا يقر في نفسه بالامام أو غيره من مذاهب القرامطة...ويقول في صراحة لابن عمه ..عبدان..فقيه الدعوة..
(إن مذهبي هو إجراء العدل، ولا أرب لي فيما وراء ذلك من إلحاد في الدين.)
ولذا كان لا يريد حرب الخليفة ولا مناهضة حركة أبي البقاء بل كان يقول عنها:
(إنّا أصحاب مذهب العدل الشامل ليسرنا أن يطبق نظام أبي البقاء في البلاد ما كان فيه إنصاف للمظلومين وحد من طغيان المال، فمرحباً بمعاونة الخليفة لنا في ذلك.)

ثم لما رأي منه ذلك أصحاب المصالح الشخصية وراء هذه الدعوة... ثاروا عليه وحاربوه...وأثناء ذلك تجيء لحظة الصراع النفسي بين المذهبين في نفس حمدان

(كل هذا دعا حمدان إلى التفكير في أمره، وفي مصير هذه المملكة التي يحكمها، فجعل يحاور نفسه ويناقشها في موقفه من الخليفة العباسي، وموقفه من القداحي وأتباعه، ويستعرض الأحوال التي دفعته إلى الخروج على حكم السلطان وتأسيس مملكة مهيما باذ على أساس العدل الشامل، ثم ما انتهت إليه الأمور بعد ذلك من قيام نظام أبي البقاء العادل في بلاد الخليفة فسعد أهلها من حيث شقي أهل مملكته وتذمروا من نظامه - وانكشاف أمر هؤلا ء القداحيين الدجالين، وفساد مذهبهم، وسوء نيتهم، واختلافهم معه، وتحريضهم رجاله عليه . فها هم أولاء اليوم يحاربونه بسلاح هذا المذهب الفاسد الذي لم تطمئن إليه نفسه قط وإنما جارى عبدان فيه حرصاً عل النجاح في تحقيق العدل الذي يصبو إليه.
فانتهى من هذا التفكير إلى الاقتناع بأنه كان قد أراد بالناس الخير فانقلب إلى شر، وأن عليه اليوم أن يحول بكل سبيل دون وقوع أهل مملكته في براثن هؤلاء القداحيين وأتباعهم، وأن ينقذهم من شر الافتتان بسعرة مذهبهم أو شر التعرض لغارتهم وعدوانهم)

فتكون النصرة الفكرية للاسلام ولعدالته الاجتماعية
كتب باكثير هذه الرواية في الستينيات..حيث المنتهي في قوة بزوغ المذهب الشيوعي في العالم.....فكتبها ليقول لهم ان دعوتكم قديمة... وقد جابه الاسلام مثلها....وانتصر عليها فكريا وعمليا...فلقد سبقكم القرامطة الي شيوعيتكم تلك..التي ما أعطت للانسان العدل الذي كانت تعده به...وفوق ذلك سلبته شرفه ودينه وطمأنينة نفسه
وان شئنا القول فان القرامطة أنفسهم...انما كانوا كما قال الله في أمثالهم (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل).... فان المزدكية الفارسية... هي أيضا دعوة شيوعية اباحية قبل البعثة المحمدية..شاعت في أرض فارس...فنخرت في عظام واحدة من أعظم امبراطوريتين في التاريخ القديم....وكذلك فعلت الشيوعية باستبدادها فنخرت في واحدة من قطبي التاريخ الحديث....والتاريخ يسجل انها ماقدمت للعالم عدالة ولا مساواة...وانها مانجحت في بلد مسلم فكريا..وانما بالحديد والنار....ثم أسقطها الله ببغيها وفساد دعوتها كما أسقط الفرس من قبل.
وتبقي الدعوة المادية الثانية (الرأسمالية) لنجاحها في تقنين وتطوير نفسها باستمرار....ولكن ذلك الي حين.. وخير شاهد علي ذلك مايشاهده العالم من أزمات مالية طاحنة تفقر الدول فضلا عن الأشخاص....وحين يقول علماء الاقتصاد الغربيين ان حل الأزمة في الاقتصاد الاسلامي ( وهو كلام موثق ولم أقله جزافا)....فاننا ندرك ان النصرة عاجلا أو آجلا للعدالة الالهية لخير كل البشر ..كما تم في الرواية.