الجمعة، ١٤ يناير ٢٠١١

تونس...هل حقا هذا ما نريد؟



دائما ما أدفع دفعا للكتابة في ما يجري من أمور وذلك لعدة أسباب...فأنا أولا لا أحب أن أكتب في الأحداث الجارية الا اذا كانت لي وجهة نظر مختلفة لم اقرأها...وثانيا لأن هذه المدونة حين بدأت الكتابة فيها وحتي الآن ..لا أريد أن أجعلها سياسية بالمعني المعروف ..لا أريد فيها ان أسب وألعن وأنقم علي الأوضاع..ثم..ثم لاشيء...وأخيرا وان حتي قررت أن أكتب شيئا يتعلق بالأحداث الجارية فانه يأتي دوما متأخرا بعض الشيء..فلا أحب التسرع في رد الفعل قبل أن أفهم جيدا مايحدث واقرأ معظم ما يكتب فيه من ذوي الاتجاهات المختلفة لذا أجد نفسي دائما حين اكتب في موضوع من تلك النوعية..لا أستسيغ البدء فيه مباشرة قبل مقدمة - كهذه - أذكر فيها نفسي ومن يقرأ بأن الهدف من الموضوع ليس ثورة وانه لن يجد فيه ما تعود في المواضيع السياسية من سباب أو سخط أو مجرد عاطفة هائجة بالشعور بالظلم... ثم أدخل في الموضوع..
مايجري في تونس جعل الكثيرين يفرحون فرحا شديدا بما حدث.. ولا أنكر أني فرحت بذلك...فحرت برحيل طاغية من طغاة شعوبنا منعوا عنا الدين والدنيا...ولكن لا يجب أن يجعلنا ذلك الفرح نفهم الأمور علي غير طبيعتها...لأن من يفعل ذلك...سيصدم عما قريب بالواقع.
اتصل بي صديق حميم أمس خصيصا من أجل ماحدث...وقال (صدقتني؟...الثورة نفعت..ومابتجيش غير كده..)... وكنا نتحاور كلما تقابلنا عن الوسيلة لتغير الوضع...وظن (وغيره كثيرين جدا حتي مع كتاب لهم شهرة عريضة – يلعبون علي حماس الشباب وعلي سوء الأوضاع - فضلا عن الشباب المطحون الناقم علي الأوضاع) أن ما حدث دليل علي أن الحل السحري هو مجرد تغيير طاغية يجثم علي صدر البلاد..
عفوا صديقي العزيز...وعفوا أيها الشباب المصري الناقم علي الوضع...ان الامور لا تسير هكذا...ولنا في التاريخ عبرة...ولنا في الدين آية...
أما عبرة التاريخ...فهل كان فرحك علي رحيل طاغية تونس..أكبر من فرح المصريين بثورة 1952؟... ما رأيك انت في الثورة ومافعلته؟..الم تأت الثورة بطاغية جديد أذاق الشعب بمختلف تياراته ما لم يره طوال العهد الملكي؟ فالتاريخ يقول لنا أن التغيير أبدا لا يكون بفرد علي رأس السلطة الا اذا كان الشعب نفسه مهيئا للتغيير...وهنا يأتي السؤال الأهم...هل شعبنا العزيز الآن يستحق التغيير...ومع كل أسف...الاجابة لا ...لا يستحق...انظر الي أي مصلحة حكومية لتري كيف يتصرف موظف الحكومة...انظر الي أي وسيلة مواصلات لتري كيف يتقاتل الناس...انظر الي الأحزاب السياسية لتري كيف تكون السياسة مرادفة لقذارة الفكر وانعدام المبدأ...انظر الي حال الشباب لتري ضياعهم...انظر الي حالك أنت..واسأل نفسك بصدق...هل أنت تستحق التغيير...ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم...وتلك آية الدين...لن نستحق التغيير بمواضيع نقرأها او نكتبها...أو حوارات ندخل فيها نقمة علي ما نحن فيه...ثم لا نفعل شيئا مما في استطاعتنا فعله كي يتغير الوضع..لماذا؟.. لأننا ببساطة ربطنا كل فرص التغيير برحيل الطاغية الذي تسبب لنا في كل هذا.. وكأننا ليس لنا دخل فيه...انا لا ادافع عن أحد أشاهد ظلمه كل يوم مائة مرة...وانما أحاول أن انبهنا – نحن – المظلومين.. ان نكف عن العويل قليلا ونفعل ما نستطيع..... هنا سيقول لي صاحبي العزيز...كنت تقول لي..ليس في استطاعتنا ان نغير شيئا من السلطة... وهاهو شعب تونس قد ضرب أروع الأمثلة علي أن الشعب العربي باستطاعته ذلك.... وبعيدا عن منمق الكلام... وأساليب الصحافة المبالغة...صبرا قليلا صديقي العزيز...فالأمور لم تستقر بعد...ولم يجن الشعب من هذا سوي القتل والتشريد وحظر التجوال...علام الفرح؟...هل عادت تونس خضراء كما كانت؟...لقد تقلد رئيس الوزراء مقاليد البلاد...وغالب الظن... انه ولابد ستتحقق بعض مطالب الشعب بصفة مؤقتة حتي تهدأ الأمور....وحتي ان جرت انتخابات نزيهة...بمن ستأتي؟..كلنا لا نعرف.. ولكنه من المؤكد انها لن تأتي بمواطن عادي ممن كانوا في الثورة اليس كذلك؟...ستأتي بأحد رجال السياسة لأنهم الأقدر علي قيادة البلاد...ومن هم ياعزيزي رجال السياسة في بلادنا العربية؟... أليسوا رجالا انتهازيين...ينتظرون الفرصة لتغيير الكرسي بكرسي اكبر؟.. ومن هم رؤساء بلادنا الآن؟ ألم يكونوا يوما ما رجال سياسة وحرب وأبطال؟ ألم تعرف ماذا كانت يقول كل المحللين عن طاغيتنا الحالي في أوائل الثمانينات؟..لقد كان البطل المحارب ذا الأيدي النظيفة التي ستتغير عليها كل أوضاع سلفه...ولكم في الأيام عبرة يا أولي الألباب
لا ...ستأتي بمواطن عادي يشعر بمشاكل الشعب ويعايشه اياها...ألم يكن عبد الناصر ابنا للشعب؟... هل تعرف كيف كان السادات قبل الثورة؟
اذن فالحل ليس في رحيل طاغية وفقط... هكذا يقول التاريخ.... وهكذا يقول العقل والدين....حتي وان كانت هناك حالات فردية بظروف خاصة فانها تأكيد للقاعدة من باب لكل قاعدة شواذ وليست قاعدة مطردة علي مر العصور حتي لا يضرب لي احد مثالا بمهاتير محمد.
انما الحل في تغيير الأوضاع العامة..تغيير البشر أنفسهم....اصلاح النفوس...ابدأ بنفسك ومن حولك...فان فعل قليل منا ذلك..كبرت الدائرة شيئا فشيئا...ولا تتعجل..فهذه هي طبيعة التغيير الصحيح...ليست مفاجئة بين يوم وليلة...ثم لا يتغير شيء...وكأن ماحدث كان أمرا عارضا فرحنا به زمنا قليلا ثم عدنا علي مانحن عليه....ولكنه تغيير يستمر...لأنه يعتمد علي الأصل الثابت...الفرد....حينها سأصدقك...ان حدثت ثورة فانها ستاتي بمن هو من الشعب...ذلك الفرد الذي تربي علي المبادئ والدين وحقوق الناس.. أما قبل ذلك فلا...وانتظر –صديقي – قليلا من الأيام...لتري أن ماستتمخض عنه الأحداث في تونس سيثبت لك عكس ماتظن... وحسبنا الله ونعم الوكيل!