هل يجعلنا جوجل أغبياء؟
ماذا يفعل الانترنت في عقولنا؟
مقال (نيكولاس كار).....ترجمة ( اشرقة روح)
توقف ياديف...توقف....يتوسل السوبر كمبيوتر (هال) الي رائد الفضاء العنيد (ديف)في ذلك المشهد المثير من فيلم (ملحمة الفضاء) ولكن ديف يواصل في هدوء وبرود شديدين قطع دوائر الذاكرة المتحكمة في العقل الاصطناعي لهال فيصرخ هال أنا خائف ديف...أنا أفقد عقلي... يمكنني الشعور بذلك
شاهد المشهد علي اليوتيوب
-------------------------
يمكنني الشعور بذلك أيضا... في السنوات القليلة الماضية..تولد لدي شعور غير مريح بأن هناك شخصا ما أو شيئا ما يحاول تعديل الطريقة التي يعمل بها عقلي... ولعله للأسوء. يعيد توجيه خلاياي العصبية.. يعيد برمجة ذاكرتي ..لا أقول أني أفقد عقلي كما قال (هال)في المشهد المثير... ولكني أستطيع القول.. أن عقلي يتغير وأنني لم أعد أفكر بنفس الطريقة التي كنت أفكر بها...
ويتجلي ذلك بشدة عندما اقرأ ، فيما مضي كنت أستطيع أن أغمر نفسي في كتاب أو مقالة طويلة بسهولة...أعيش مع الأحداث...ويأسرني السياق فأقضي الساعات مع الكلمات المنثورة... أما الآن... لم يعد الأمر كذلك علي الاطلاق... أفقد تركيزي بعد صفحتين أو ثلاثة..وأتململ فأفقد السياق..وأبحث عن شيء آخر أحاول أن أعيد ذهني الشارد الي النص فأكتشف أن القراءة العميقة التي اعتدت عليها بسهولة قد صارت صعبة المنال.
أعتقد أني أعرف السبب...لعقد مضي من السنوات..قضيت - وما زلت- الساعات الطوال أبحث .. استطلع..وربما أضيف... لقاعدة البيانات الضخمة علي الانترنت... بدت الانترنت هدية ربانية لكاتب مثلي..فالبحث الذي كان يستغرق الأيام في أرفف المكتبات يتم الآن في عدة دقائق بعض البحث علي (جوجل) وبعض الضغطات علي الروابط وأحصل علي ما أريد
حتي عندما لا أريد العمل...أتجول في غابات المعلومات.. أكتب الرسائل أطوف في عناوين الأخبار والمدونات.. أو حتي أشاهد الفيديوهات أو أسمع الصوتيات أتنقل من رابط لآخر فالروابط ليست كالاشارة الي مصادر أخري في أسفل صفحات كتاب تقرأوه...انها تاخذك أخذا الي تلك المصادر
بالنسبة لي وللاخرين.. يمثل الانترنت وسطا عالميا...قناة تتدفق المعلومات من خلالها الي عيني وأذني وعقلي ولاشك أن فوائد امتلاك طريق مباشر الي مثل ذلك الكنز الهائل من المعلومات هي فوائد جمة ...أكثر الكل من ذكرها وهي كما قال (كليف تومسون) " ان ذاكرة السيليكون من الممكن أن تكون نعمة عظيمة للتفكير"
لكن للاسف هذه النعمة ليست مجانية ولكل شيء ثمنه ويشير المفكر الاعلامي (مارشال ماكلوان) الي أن وسائل الاعلام ليست فقط مجرد وسائل حيادية لنقل الأفكار بل انها وسيلة للتأثير علي أفكار الآخرين وتشكيل اتجاهاتهم وهذا ما يبدو أن الانترنت يفعله... فكأنه يبحر بعيدا بقدرتي علي التركيز والتأمل
عقلي الآن يتوقع الحصول علي المعلومة بالطريقة التي ينشرها الانترنت... دفعات سريعة من الجزئيات لقد كنت قديما مثل الغواص في بحر الكلمات.. الآن أنا امر علي السطحيات بسرعة الطائرة النفاثة .
ولست الوحيد الذي يمر بتلك المشكلة...فعندما اشتكيت للعديد من أصدقائي الكتاب...قالوا انهم يعانون من نفس القضية وكلما زاد استخدامهم للانترنت كلما كان صعبا عليهم التركيز في الكتابة لمدة طويلة وبعض المدونين الذين اتابعهم بدأوا يظهرون نفس الظاهرة بل وبعضهم اعترف باقلاعه الكامل عن قراءة الكتب قائلا: لقد كنت شعلة في الدراسة ومعروفا بأنني قاريء نهم للكتب ماذا حدث؟... ثم يقول...ان كل ما اقرأوه هو فقط علي الانترنت وليس السبب الأوحد هو ان طريقتي في القراءة تغيرت فصرت أبحث عن الراحة بل لأن الطريقة التي أفكر بها في حد ذاتها قد تغيرت
وقال آخر:الآن فقدت تماما القدرة علي قراءة وفهم المقالات الطويلة سواء علي الانترنت أو حتي المطبوعة ويقول عالم (باثولوجي) شهير في جامعة متشيجن.. لقد أصبحت اقرأ بطريقة متقطعة... كلمة من هنا وكلمة من هناك..لم تعد لدي القدرة مثلا علي قراءة كتاب (الحرب والسلام)..حتي قراءة تدوينة مكونة من أكثر من ثلاث أو أربع فقرات لم يعد أمرا ممكنا..فقط اتصفحها
بالطبع تلك الشهادات الفردية وحدها لا يمكن أن تكون دليلا علي شئ ونحن في انتظار الدراسات العصبية والنفسية المطولة لكي نكون صورة محددة عن أثر استخدام الانترنت علي المعرفة
تقول عالمة النفس (ماريين وولف) مؤلف (قصة وعلم عقل القراءة)
“نحن لسنا فقط ما نقرأ...نحن كيفما نقرأ" وتري" أن نمط قراءة الانترنت الذي يضع الكفاءة والسرعة فوق كل شيء ربما يضعف قدرتنا علي القراءة العميقة والتي برزت بشدة بفضل اختراع الطباعة
تقول حينما نقرأ علي الانترنت نبدو وكأننا فقط نفك رموز المعلومات.. قدرتنا علي تفسير النص لكي نصنع تلك الروابط العقلية الغنية الناتجة من القراءة العميقة من غير ازعاج تبدو وكأنها ضعفت
تقول وولف
ان القراءة ليست مهارة غريزية في الانسان..فهي ليست محفورة في جيناتنا كالكلام لذا يجب علينا أن نعلم عقولنا كيف نترجم رموز الحروف التي تراها أعيننا الي اللغة التي نفهمها والوسيلة التي نستخدمها في تعلم وممارسة القراءة تلعب دورا هاما في تشكيل خلايانا العصبية داخل المخ
التجارب تشير الي أن قراء الحروف الرمزية مثل الصينيون تتكون لديهم خلايا عقلية للقراءة مختلفة تماما عن تلك التي تكونت في عقول قراء اللغات ذات الحروف الأبجدية...الاختلافات تمتد في العديد من مناطق المخ وتشمل تلك التي تتحكم في الوظائف المعرفية الهامة مثل الذاكرة وخلاايا ترجمة المؤثرات الصوتية والمرئية
يمكننا أن توقع بالمثل أن الخلايا التي نسجها استخدامنا الانترنت ستكون مختلفة عن تلك التي نسجتها قراءة الكتب وسائر الوسائل المطبوعة
في 1882 فريدريتش نيتزيتش اشتري آلة كاتبة جديدة في البداية كان تتابع عينيه علي الحروف يسبب له كثير من الألم والصداع ولكن بعد ذلك تعودت أصابعه علي الآلة.. فأصبح باستطاعته الكتابة وهو مغلق العينين ولكن المشكلة ليست هنا... فقد لاحظ أحد أصدقائه أن أسلوبه في الكتابة قد تغير وأصبح أكثر اقتضابا فيما يشبه البرقية..فكتب اليه قائلا.. ربما تأخذك هذه الآلة الي لغة جديدة... لقد كان يعتقد أن صياغة الأفكار في اللغة تعتمد علي مدي جودة الورقة والقلم
رد عليه فريدريتش
انت محق...الوسيلة التي نستخدمها في الكتابة تلعب دورا في تشكيل أفكارنا
يقول الباحث الألماني في الاعلام.. فريدرتيش كيتلر
أسلوب نيتزتش تغير من الخطاب والمناقشة الي الأقوال المأثورة.. من الأساليب الأدبية كالتورية والاستعارة الي أسلوب كتابة البرقيات
ان المخ البشري مرن للغاية...يعتقد كثير من الناس أن شبكتنا العقلية المكونة من أكثر من 100 بليون عصبونا داخل جمجتنا تثبت مع بلوغنا سن الرشد لكن العلماء اكشتفوا خطأ ذلك الاعتقاد
يقول جيمس اولدز.. أستاذ علم الأعصاب ومدير معهد كراسنو للدراسات المتطورة في جامعة جورج ماسون
“حتي عقل البالغين هو أيضا مرن للغاية... لديه القدرة علي اعادة برمجة نفسه وتعديل الطريقة التي يفكر بها
باستخدامنا لما أسماه عالم النفس دانيال بيل (تكنولوجيات الذكاء)..الادوات التي توسع مداركنا العقلية وليس قدراتنا الجسمية
فنحن حتما نتأثر بتلك الأدوات مثلا الساعة الميكانيكية في القرن الرابع عشر هي مثال شديد الوضوح علي تلك الفكرة
المؤرخ والناقد لويس موفورد..في كتابه (الوسائل والحضارة)... يصف كيف أن هذه الساعة حولت الوقت من الأحداث البشرية الي عالم منفصل تماما من الدقائق والثوان الرياضية المقاسة وبالتالي فوسيلة قياس الوقت أصبحت هي المرجع الأساسي للأحداث والفكر وكأننا نتصرف ونفكر بمنطق الساعة لاشك ان هذا مفيد في النظام ولكنها كذلك أثرت سلبيا في أشياء أخري
عملية تعديل تلك التكنولوجيات العقلية في أفكارنا تتضح في انعكاساتها علي تغيير حتي الاستعارات التي نعبر بها عن نفسنا
مثلا في عصر الساعات الذي تكلمنا عنه... حين تصف عقل الانسان المنضبط ماذا كنا نقول؟؟.. انه (مثل الساعة)
الآن.. في عصر البرمجيات .. تغيرت تلك الاستعارة الي أنه ...(مثل الحاسب)
وتلك التعديلات لا تتوقف فقط - كما يخبرنا علماء الأعصاب - علي الاستعارات الكلامية ولكنها تمتد الي ما هو أعمق من ذلك
وبسبب مرونة عقولنا فان تلك التعديلات تحدث أيضا علي المستوي البيولوجي الانترنت علي وجه الخصوص لها آثار بعيدة المدي علي ادراكنا في ورقة علمية نشرت عام 1936 أثبت الرياضي البريطاني.. الآن تيرينج... أن الحاسب الرقمي.. والذي كان في ذلك الوقت مجرد الة نظرية علي الورق فقط... يمكن ببرمجته القيام بوظيفة أي جهاز يستخدم في معالجة البيانات
وهذا مانراه الآن... الانترنت ذلك النظام الصعب قياس قوته...يجمع في شبكته معظم أدواتنا الحديثة
لقد صار الخريطة والساعة... الصحيفة والآلة الكاتبة.. الآلة الحاسبة والتليفون... بل وصار الراديو والتليفزيون كذلك حينما تنضم احدي أدواتنا الي الشبكة العنكبوتية... تولد من جديد...فيبث فيها الانترنت الروابط والاعلانات ويحيطها بمعظم الأدوات الأخري الموجودة أيضا علي الشبكة فحينما تأتيك رسالة بريدية جديدة علي سبيل المثال...فربما يأتيك تنبيه وأنت تتجول في آخر عناوين الخبار علي موقع صحيفتك المفضلة وبالتالي فانها تقطع تركيزك وتشتت انتباهك في الصحيفة لتذهب الي بريدك الالكتروني
وتأثير الانترنت كذلك لا ينتهي عند شاشة الكمبيوتر الصغيرة.... فمع تغيير فكر الناس لمفهوم الاعلام صار لزاما علي وسائل الاعلام التقليدية أن تعدل من أساليبها لكي تواءم متطلبات المستخدمين الجديدة فنجد أن قنوات التليفزيون صار لها شريط اعلامي متحرك واعلانات سريعة...مثل مواقع الانترنت بالضبط
وكذلك الجرائد أصبحت تقدم المقالات القصيرة... وحتي ان طال المقال لابد له من ملخص سريع وكأنه كبسولة للقاريء
وصارت تملأ صفحاتها بقصاصات المعلومات السريعة
حينما قررت نيويورك تايمز في مارس 2008 تخصيص صفحتين من الجريدة للمقالات الملخصة أوضح المدير التصميمي لها أن تلك الملخصات سوف تعطي القاريء المتعجل فكرة سريعة عن اخبار اليوم دون الحاجة الي تصفح الجريدة كاملة وقراءة المقالات الطويلة لا يوجد أي نظام للاتصالات لعب نفس الدور الذي تلعبه الانترنت في حياتنا الان...وقليل مما كتب عن الانترنت حتي الان أخذ في الاعتبار فكرة كيف تساهم الانترنت في برمجة عقولنا...ان أخلاقيات الانترنت الذهنية لا تزال غامضة حتي الان
في عصر الصناعة.. ابتكر تيلور نظاما للعمل الدقيق ولتحسين الكفاءة يقوم علي تقسيم العمل الي مهام صغيرة وتوزيعه بطريقة معينة علي العمال الذين يقومون بالعمل أيضا بطريقة محددة مسبقا... ورغم ان هذا النظام ساعد في رفع انتاجية المصانع ولكنه حول العمال الي ماكينات تعمل علي الماكينات
فكرة تيلور في عصر الصناعة هي فكرة جوجل في عصر المعلومات
يقول المدير التنفيذي لجوجل .. ايريك شميدت..ان جوجل شركة قامت علي علم القياسات وانها تجاهد من أجل أن تمنهج كل شيء..فاعتمادا علي الاف القياسات التي تجري يوميا - طبقا لتقرير هارفارد
تعدل جوجل من الخوارزميات اتلي تستخدمها للتحكم في كيفية حصول المستخدمين علي البيانات وبالتالي فان مافعله تيلور في عمل اليد في عصر الصناعة.. تفعله جوجل في عمل العقل في عصر المعلومات ان الشركة التي أعلنت أن هدفها هو... تنظيم معلومات العالم وجعلها متاحة ومفيدة لكل البشر
والتي تسعي لتطوير محرك البحث الكامل الذي يفهم تحديدا ما تعنيه وبالتالي يعطيك بالضبط ما تريد في وجهة نظر (جوجل).. المعلومة ما هي الا سلعة.. مصدر نفع يمكن أن يدرس ويحلل بكفاءة
وبالتالي فكلما زادت المعلومات المتاحة لنا وكلما استطعنا تحليل جوهرها أسرع... كلما كان انتاجنا الفكري أكبر اذن متي النهاية؟... الشابان الموهوبان سيرجي برين ولاري بيج...مؤسسا جوجل خلال دراستهما للدكتوراة في جامعة ستنافورد... يعلنان باستمرار عن رغبتهما في تحويل محرك البحث الشهير الي الذكاء الاصطناعي مثل السوبر كمبيوتر (هال) ..يمكنه الاتصال المباشر مع عقولنا...ذكي مثلنا أو حتي أذكي منا.. كما يقول بيج
فبالنسبة لنا العمل في البحث هو طريق للعمل في الذكاء الاصطناعي...يقول برين في مقابلة مع النيوزويك فبالتأكيد لو أنك تملك كل معلومات العالم متصلة بمخك مباشرة.. أو بمخ اصطناعي أذكي منك.. سيكون الأمر أفضل حالا مثل هذا الطموح شيء طبيعي بل ويبعث علي الاعجاب.. بالنسبة لاثنين من الفلتات الرياضية تحت أيديهم كمية خمة من السيولة وجيشا صغيرا من علماء الحاسب
مفاجئة علمية طريفة هي ان جوجل في الأساس كان نتيجة رغبة في استخدام التكنولوجيا وكما يقول شميدت... كان لحل مشكلة لم يكن لها حل من قبل ( يقصد تراكم المعلومات وصعوبة الوصول اليها من غير محرك بحث)
والذكاء الاصطناعي هو أصعب مشكلة تنكولوجية حتي الآن... لماذا يسعي برين وبيج لأن يكونا أول من يخلقها؟
حتي الآن يظل افتراضهم أننا سنكون أفضل حالا لو أضفنا لعقولنا - أو حتي استبدلناها - عقلا اصطناعيا .. هو افتراض وهمي لأنه قائم علي الاعتقاد بأن الذكاء هو ناتج عمليات ميكانيكية.. سلسلة من الخطوات المنفصلة التي يمكن عزلها وقياس كل منها علي حدة ومن ثم تحسين أدائها
في عالم جوجل.. ذلك العالم الذي ندخله حينما نتصل بالانترنت.. هناك مساحة ضئيلة من التأمل والغموض.. فالغموض في ذلك العالم ليس فرصة للتفكر والتأمل وانما هو عيب يجب اصلاحه والعقل البشري ليس سوي جهاز حاسوب عفا عليه الزمن يحتاج لمعالج بيانات أسرع وذاكرة تخزين أكبر
ففكرة أن عقولنا يجب أن تعمل بسرعة أكبر في معالجة البيانات ليست فقط معتقدا في عالم الانترنت ولكنها كذلك راسخة في عالم (البيزنس) والأعمال
فكلما تصفحنا الانترنت أسرع كلما ضغطنا أكثر علي الروابط وشاهدنا صفحات أكثر..كلما كانت فرصة جوجل وغيرها من الشركات العملاقة أكبر في جمع المعلومات عنا وعرض اعلانات أكثر لنا
فمعظم أصحاب التجارات عبر الانترنت لديهم ذاكرة لتخزين فتات المعلومات التي نتركها ورائنا في سعينا من رابط لآخر وكلما زاد ذلك الفتات كلما كان أفضل لهم بالطبع
وبالتالي فاخر شيء يريدونه هو تشجيع القراءة المتمهلة أو المتعمقة والتفكير المركز.. انما الذي في صالح أرباحهم هو دفعنا نحو مزيد من التشتت
ربما أكون قلقا شيئا ما.. ولكن بما أنه هناك من يسبح بحمد التكنولجيا الحديثة لابد أن يكون كذلك علي الجهة الأخري من يتوقع
الأسوء من كل أداة جديدة
لذا نعم... قد تكون كل تلك الشكوك هي في حد ذاتها محلا للشك... وربما يكون اولئك الذين يرفضون نقد الانترنت ويصفوننا بالرجعية والتخلف عل حق وربما - وبالافراط في التفاؤل- تكون الانترنت وكم البيانات الهائل بداية عصر ذهبي للاكتشافات وربيعا لمزيد من الحكمة والفهم
ولكن مرة أخري.. الشبكة العنكبوتية ليست الأبجدية.. وبالرغم من أنها ربما تحل محل المعلومة المطبوعة بشتي صورها.. فانها تقدم شيئا مختلفا تماما
فالقراءة المتعمقة كما تقول ماريان وولف...لا يمكن فصلها عن التفكير العميق
وبالتالي لو فقدنا تلك المساحات من التأمل أو حتي ملأناها بالقصاصات السريعة من صفحة هنا أو هناك علي الانترنت
سنكون قد ضحينا بأمر هام للغاية ليس فقط لنا.. ولكن لثقافتنا كذلك
انني مأثور بذلك المشهد المثير.. والذي جعله مؤثرا للغاية هو رد فعل الحاسوب العاطفي علي تفكيك دوائره بدا كأنه طفل يتوسل لعالم الفضاء... يمكنني الشعور بذلك... اني خائف ان تدفق مشاعر (هال) في ذلك المشهد.. هي علي النقيض تماما من الحالة اللاشعورية التي بدا عليها عالم الفضاء وهو يقوم بعمله بدا وكأنه انسانا اليا ينفذ التعليمات بلا شعور ولا احساس
في عالم 2001 يبدو البشر شديدي الشبه بالماكينات... والشخصية الانسانية صارت مبرمجة
هذا هو جوهر نبوءة كوبريك السوداوية: اذا صرنا نعتمد علي الحاسبات في فهم العالم من حولنا فان ذكاءنا نفسه هو الذي سوف يتحول الي ذكاء اصطناعي