الاثنين، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٩

شيكاغو



- يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم
قالها فجأة فشد انتباهي
نظرت إليه لأفهم ما يدور
- هل أهرب منه ولا أقف أم ماذا أفعل؟
وقبل أن أنتبه من هذه الجملة الثانية رد عليه الكمسري :
- لا سبيل إلي ذلك , أعطه الخمسة جنيهات وأرحنا من وجه أمه في هذا الصباح
كانت أول مرة انتبه لهذا الكمسري الذي اعتدت علي شكل أمثاله ولكن هذه المرة شدتني فيه ملامح طفولته التي لم تستطع أن تقتلها طريقته الخشنة وأسلوبه الفظ وتعبيرات وجهه الناضحة بالبؤس وان استطاعت ترك جراح عميقة فيها
دارت أفكاري وطار بي خيالي
تخيلت نفسي في شيكاغو وأنهم يتكلمون عن زعيم عصابة أو رجل من رجال الكاوبوي اعترض طريقنا
أفقت علي صوت جديد دخل في الحوار
-         اركن علي جنب
-         حاضر..حاضر يا باشا
-         يا عم أنا قلت لك أعطه الخمسة جنيهات وأرح نفسك
وبينما أحسست ببطء عجلات السيارة من تحتي عدت لأحدث نفسي من جديد
علي ماذا كل هذا الأمل ؟ لاشيء يدعو للأمل هم عندهم الحق أنت متفائل زيادة عن اللازم
أخبرني بشيء واحد يبعث فيك كل هذا الأمل
مازالت عبارته تلك ترن في أذنك وتبلبل أفكارك
ماذا أفعل إذن؟ هل أقتل نفسي أم أعيش بائسا قانطا
وهل يقنط من رحمة ربه إلا القوم الكافرون؟
أعوذ بالله
إذن أغمض عينيك عن الواقع وادفن رأسك في الرمال ولكن لا تخبرني ثانية أن كل شيء علي ما يرام
نطق من بجواري فجأة
-         يا أسطي أعطه ما يريد ولا تعطل أشغالنا
-         وماذا أفعل لكم يا أخي؟
هل آخذ منكم الأجرة لأعطيها له واعمل أنا لوجه الله ويغور العيال وأم العيال


مسكين هذا السائق
لقد خرج يمني نفسه برزق البكور فوجد نفسه بين مطرقة الباشا وسندان الركاب
-         أين رخصك؟
-         يا باشا أنا معي إيصال
ومد يده بورقة محي أحبارها عرق العمل
-         ارني إياه , وانتظر إلي أن آتي لك
آتي لك؟
هل يعتقد أن الثلاثون راكبا المكدسين أمامي هؤلاء سعداء بانتظار سيادته أم أنه لم يفكر فيهم علي الإطلاق؟
أم تراه سعيدا بايغاظهم وتعطيل أشغالهم رغما عنهم!
ألا لعنة الله علي الروتين
وكأن الصبي كان أكثر خبرة من سائقه فعاد ليكررها له من جديد
-         أنا قلت لك من الأول . لن يتركك إلا إذا أخذ المعلوم .
-         أمري إلي الله
ونزل السائق وعلي وجهه ألف تعبير وتعبير انطبعوا علي سحنته المكفهرة كلها ينطق بالسخط واللعنات واليأس والقنوط أختتمها بتسليم أمره إلي الله
تعطلنا خمسة دقائق أخري كانت كافية لأري هذه الانطباعات كلها متكررة أمامي ثلاثين مرة
معذب هو من ألف متابعة مشاعر الناس في هذا الزمان
وعاد السائق ضاغطا برجله علي دواسة البنزين لاسمع صوت محرك السيارة مصحوبا بضحكة مجلجلة خرجت من أعمق أعماقه
-  أخذ عشرة جنيهات ابن ال.............
نطق بها ليدمر آخر معاقل التفاؤل في أحشائي
ومازالت لديه القدرة علي الضحك!!!!!




ليست هناك تعليقات: